الكفارات... صورة مشرقة للتكافل الاجتماعي

الاطعام... رافد من روافد الكفارات في المجتمع المسلم








تتعدد
في الإسلام صور التكافل الاجتماعي، وتحمل الكفارات في ثناياها صورة مشرقة
من صور هذا التكافل فهي تتراوح غالبا بين العتق والصيام والاطعام، حيث لا
تصبح الكفارات مجرد تطهير للانسان مما اقترفه من ذنوب ولكنها تتخطى هذا
الدور لتحمل بعدا اجتماعيا رفيعا يحمل نسائم الحرية والطعام إلى فقراء
المسلمين ومساكينهم، او اذا اردت شعارا عصريا يمكن ان يعبر عن الكفارة فهو
لا يخرج عن شعار «الخبز والحرية».
دعوة إلى الحرية
تعد الحرية بألوانها كافة جوهرة من جواهر الاسلام العظيمة التي حرصت عليها
مبادئه وقيمه السامية، بداية من اختيار الانسان عقيدته الدينية «لا إكراه
في الدين قد تبين الرشد من الغي» إلى غير ذلك من الحريات فالاصل في
الانسان هي الحرية وهي حق اصيل من حقوقه وقد عمل الاسلام على ضمان كل
اشكال الحرية للانسان من حرية دينية وسياسية واجتماعية وفكرية وحرية تملك
وحرية تعبير عن الرأي «لأن الانسان في حال عبوديته لا يتمكن من مزاولة
حقوقه فإذا شعر بالحرية استخدم بفطرته حقوقه الدينية والسياسية كافة، وعلى
وجه الاجمال فإن الاسلام اباح جميع الحريات الا ما كان منها مصادما لقاعدة
شرعية».
اما الرق والعبودية فهما سلب موقت لهذا الحق، وقد عبر عن هذا المبدأ ابلغ
تعبير الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما شكا المصري اليه ابن عمرو بن
العاص الذي تسابق معه فسبقه المصري فضربه ابن عمرو فاستدعى عمر عمرا وولده
الى المدينة وامر المصري ان يضرب ابن عمرو ثم قال لعمرو تلك المقولة
الخالدة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا؟».
ولذا عمل الاسلام على فتح الابواب على مصاريعها امام الارقاء واسرى الحروب
للتحرر والانعتاق، وجعل فك الرقاب من اعظم القربات إلى الله عز وجل.
«فلا اقتحم العقبة، وما ادراك ما العقبة، فك رقبة، او اطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة، او مسكينا ذا متربة».
ويقول جل شأنه: «انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله»
وقال صلى الله عليه وسلم «من اعتق رقبة مؤمنة اعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى يعتق فرجه بفرجه».
ويقول ايضا صلى الله عليه وسلم: «من اعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار».
وعن ابي مسعود الانصاري يقول «كنت اضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا يقول
اعلم ابا مسعود لله اقد عليك منه منك عليه فالتفت فإذا هو النبي صلى الله
عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله قال اما انك لو لم تفعل
للفعتك النار او لمستك النار».
ثم جاءت الكفارات لتفتح بابا آخر من ابواب هذه الحرية، وجعل الله عز وجل
هذا العمل كفارات لذنوب كثيرة مثل القتل الخطأ والحنث باليمين والظهار
وامتدح المتقربين إلى الله بتحرير العبيد
«ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة» وقوله تعالى: «لا يؤاخذكم الله
باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة
مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد
فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم» ويقول سبحانه وتعالى:
«والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان
يتماسا».
وعن ابن عباس قال اتاه (النبي صلى الله عليه وسلم) رجل فقال اني جعلت
امرأتي علي حراما قال كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الآية (يأيها النبي
لم تحرم ما احل الله لك) عليك اغلظ الكفارة عتق رقبة.
وعلى المسلم ايضا نذور، فإذا لم يف بها فإن الكفارة تصبح واجبا عليه يصب
في مصلحة المجتمع ويقول صلى الله عليه وسلم «كفارة النذر كفارة اليمين».
وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نذر في معصية
وكفارته كفارة يمين» واذا كانت الكفارات لا يجوز فيها الا عتق الرقاب
المؤمنة، فإن رحمة الاسلام امتدت من ناحية اخرى لتظل غير المسلمين فقد قال
الامام مالك في الموطأ في كتاب العتق والرقاب «انه يجوز عتق النصراني
واليهودي تطوعا لله».
التكافل الاجتماعي
وقد كانت مشكلة الاغنياء والفقراء تشغل الناس في المجتمعات وكانوا دائما
يطمحون إلى ايجاد حل دقيق لها حتى جاء الاسلام واوجد الله تعالى لها حلا
حاسما يرضي الطرفين معا بحيث لا يجوع في المجتمعات الاسلامية احد ففرضت
الزكاة على الاغنياء، وهذا العدل الاجتماعي الذي اقامه الاسلام جعله ركنا
اساسيا من اركانه الخمسة فهو عبادة مثل الصلاة وتقترن بها دائما في القرآن
الكريم، ثم كانت الدعوة المستمرة إلى الصدقة والتي سماها الله تعالى قرضا
له جل شأنه تشريفا لها: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له»
ويقول ربنا عز وجل: «خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».
وبذلك فالمتصدق من ماله لا يتنازل عن جزء من ماله لاخوانه الفقراء انما هو
يقرض ربه عز وجل ما يتصدق به، وعلى وجه آخر «حبب الاسلام إلى بنيه البذل
والانفاق عن طيب خاطر ورضا وان تكون نفوسهم سخية واكفهم ندية ووصاهم
بالمسارعة إلى دواعي الاحسان ووجوه البر، وان يجعلوا تقديم الخير إلى
الناس شغلهم الدائم»، ويقول ربنا جل شأنه في الحث على البذل والانفاق
«الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار، سرا وعلانية، فلهم اجرهم عند ربهم
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» وقد روي عن عائشة انهم ذبحوا شاة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي
كلها إلا كتفها».
ويقول صلى الله عليه وسلم «حصنوا اموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة،
واستقبلوا امواج البلاء بالدعاء والتضرع» ويقول ايضا «صنائع المعروف تقي
مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر».
وبذا اصبح العدل الاجتماعي ليس مجرد امنية يصبو اليها الانسان ولكنها في
ظل الاسلام اصبحت حقيقة واقعة كبرى واصبح الفقراء كالشركاء في اموال
الاغنياء ولهم نصيب معلوم.
وكما كانت الكفارات بابا واسعا يخرج منه العبيد والارقاء إلى فضاء النور
والحرية فهي بدورها «تعد من المصادر الاساس لتمويل التكافل الاجتماعي،
فعلى المسلم كفارات ونذور ينتفع منها المسلم وغير المسلم احيانا فضلا عما
يؤديه المسلم من واجبات مالية بمقتضى دينه» فكفارة اليمين اذا حلف وحنث
اطعام عشرة مساكين او كسوتهم، وكفارة الافطار في نهار رمضان متعمدا اطعام
ستين مسكينا وعن ابي هريرة ان النبي امر رجلا افطر في رمضان ان يعتق رقبة
او يصوم شهرين او يطعم ستين مسكينا».
وعن ابي هريرة قال «جاء رجل إلى النبي فقال هلكت قال وما شأنك، قال وقعت
على امرأتي في رمضان، قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا، قال فهل تستطيع ان
تصوم شهرين متتابعين قال لا، قال فهل تستطيع ان تطعم ستين مسكينا قال لا
اجد، فأتى النبي بعرق فيه تمر فقال خذ هذا فتصدق به، فقال اعلى افقر منا
ما بين لا بتيها افقر منا ثم قال خذه فأطعمه اهلك».
وفي الصيام ايضا... «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون».
وفي الحج «ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك».
ثم كفارة قتل الصيد والانسان محرم، ثم انظر إلى هذه الحكمة البالغة، وكأن
الاسلام لا يترك بابا يعزز دعائم التكافل والعدل الاجتماعي الا وسارع الى
فتحه على مصراعيه: «يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله
منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما ليذوق وبال امره».
والامام مالك يرى ان من اصاب الصيد وهو محرم يحكم عليه بالجزاء فيقوم ما
اصاب من الصيد فينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم كل مسكين مدا او يصوم مكان
كل مد يوما وينظر كم عدد المساكين فإن كانوا عشرة صام عشرة ايام وان كانوا
عشرين مسكينا صام عشرين يوما عددهم ما كانوا وان كانوا اكثر من ستين
مسكينا، ويقول الامام مالك سمعت انه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو
حلال بمثل من يحكم به على المحرم الذي قتل الصيد في الحرم وهو محرم».
ويذهب الدكتور شوقي ضيف في كتابه «عالمية الاسلام» إلى ان العدل الاجتماعي
الالهي العظيم في الامة الاسلامية قد بني على البر والتعاطف والتعاون
والتطهر واحترام حرية الانسان في ماله ودفعه إلى الانفاق عن طيب خاطر
تقربا إلى الله وابتغاء مرضاته عكس القوانين الوضعية مثل الشيوعية الروسية
التي عملت على مدار سبعين عاما على تحقيق العدل الاجتماعي فعمدت إلى
التسلط والقهر وحرمان الانسان من حريته واخضاعه للرقابة المستمرة في كل
تصرفاته المالية فحثه بذلك على التهرب والمداراة وبذلك يفقد الانسان كل ما
وهبه الله من نعم في حياته مع اخذه بمادية مفرطة وبإلحاد متمرد كان كفيلا
بانهيار العدل الشيوعي المزعوم مبكرا، اما العدل الاجتماعي الاسلامي فهو
عدل رباني وهو عبادة تملأ قلوب المسلمين امنا ورضا وطمأنين
ة.

...وكذلك الصدقةكتب: عبد الله متولي
في جريدة الراي الكويتيةوبصراحة افتخر بالموضوع دةلان عبد الله متولي دة ابويا وافتخر